Friday 9 March 2007

عندما نكبر نحن الرجال


ســأ م .. يقتلنى و يفقدنى إتزانى , لأنه يتسلل كنصل حاد لسيف صدئ من خلفى و من أمامى و من تحتى , فلا أعرف من أى إتجاه هو قادم كى أنصب له خطوط دفاع . لذلك أنا تعس , مهموم , شا رد , مراّ تى لا تعكس أيه ملامح , فأ حدق و لا أرى إلا الغور السحيق .. فأ حدق و أحدق , حتى لا أرى شيئا على الإطلاق . غير أنى بالأمس , داعبنى شيطان ما كر أكاد أرسم له بعض الملامح من خيالى , فأ راد أن نعبث سويا ببعض صناديق الذاكرة , أو دعنا نقول - إذ أن كلمة الذاكرة ليست دقيقه تماما - بعض الصناديق المغلقه فى مكان ما بالداخل . فى بادئ الأمر لم ألق بالا , و تصنعت الإنشغال و العبث ببعض الأشياء , لكن ذلك الشيطان للحق , كان لحوحا , ذكيا , كان يعرض على فى البدء بعض الصناديق القديمه و التى كنت قد نويت التخلص منها , فلا يستفز خيالى سوى بعض الصور لأشخاص عابرون , رحلوا من زمن .. حتى فاجأنى ذلك اللعين بذلك الصندوق الفضى اللامع , و أنعكس ضوءه الباهر على حدقتى المتعبه فأ نتبهت فى الحال … لا .. إلا هذا الصندوق أرجوك . يضحك بلئم و خلاعة . رويدا رويدا أضعف أمامه , ولكن لنقل أنه الفضول , أو أنها تلك الرغبه العارمه التى تتملكنا حين نفــض هدايا أعياد الميلاد . نشوة غامرة , عادة , نستقبل بها الشئ الغامض والطريق الغامض و الإحساس الجديد . أ أعبث فى ذلك الصندوق ؟ أ أغامر ؟ أذن هو صندوقك أنتى ! أنتى بالتحديد . لامع مثلك , فضى بارد .. بالداخل جسدك العارى ممد , أبيض كقلب اللوز , ناعم كملمس طفل . أتذكر شوارع ذلك الجسد الرحبة , وكيف أنى أمضيت أعواما أتجول مدهوشا بين كل هذا البياض , أتهلل فرحا حين أكتشف المزيد من الأركان و الأزقة فأدخلها غازيا فاتحا . و لكن ماذا تظنين ؟ هل تظنين أنى أعمى ؟ و لا ألاحظ أثار الأقدام ؟ عفوا .. لم أعد ذلك الرجل الخجول - كصديقة عذراء - كما داعبتينى فى أول لقاء .. أتعلمين .. أنتى بلهاء !! ذلك لأن من كان يحاصر مساحات بياضك بساعديه , لم يكن أنا .. لأنى فى ذلك الحين أكون قد تسللت من خلالك و دلفت إلى رحمك جنينا من جديد , أتكور و أتمدد و أعوى , وأنسج عالما أوليا شفافا , يحيا ويستمد كيانه من عالم أخر .. أزرق صباحا و مساء . ألم تسمعى صياحى بداخلك .. أنا بداخلك بذرة إله , تلدينى ربا كل مساء . وكل مساء , كنت أرى أثار الأقدام تسخر منى و تخرج لسانها لى , ولكنى أغفر ….فأ نا الإله كل مساء . لقد كنت راضيا بتلك الحيا ة حتى الليله , معشوقا يزاحمه فى المدينة البيضاء عشرات السكان ..أتعلمين .. من المحال أن نرى كل شئ مرة واحدة , أو أن تكتمل الصورة دون أن نعيش كافة التفاصيل لحظة بلحظة , فنرى ما كنا لا نراه أو ما حاولنا ألا نراه . فى سويعات الالليل الأخيرة , كنت كالمحموم , سيل لا نهائى من الصور يتدافع أمام عينى , ويملأ أذنى بصخبك , وأرى كل شئ . اليوم الأول للقائنا با لمرقص , هذا النبض المحموم السارى فى لمساتنا , تلامس أرجلنا تحت المائدة فى غفلة الأصدقاء , و تلك الرعشة الخاطفة التى أعقبتها ضحكة ماكرة منك . أقسم لك .. حتى تلك اللحظة , لم أحاول أن أكون جلفا كرجل , بل أنى كنت أريد أموت بكاءا على صدرك وأقول ما لم أقله من قبل . كلمه كلمه مما تحدثنا به تلك الأعوام , أسمعها الان . ولكن , تبرز المشكلة : أشعر بالســأ م الان , و هو كنصل حاد لسيف صدئ , ولكنى أعرف من أى طريق هو قادم . لن تحتفظى بى ذلك الطفل المندهش دوما أمام تلك التلافيف البيضاء , ولم أستمر ذلك البرئ الذى يرى الدنيا من خلالك … فقد أصبحت فى جلافة رجل , خشن , مفتول الساعد . و فى كل مرة , تتناثر ضلوعك حين أضمك إلى صدرى , تهللين : تلميذى !! ها أنا ذا قد ســأ مت اللعبة … رعشتنا القديمة أصبحت هزة , كتلك التى يشعر بها راكب القطار كل ثانية ..عادية . حتى إحساسى بأ نى ربا لك كل مساء , حتى هذا الإحساس .. زائف , إذ كيف أكون معبودا بالمساء و مخدوعا حين أنام . شئ أخر … إنى أرى الان أشياءا لم أرها من قبل … نعم .. تلك الحياة جميلة , بها كل الأشياء الرائعة المحتجبة منذ سنين . أرى الان بوضوح تام , كل شئ بلونه و بحجمه , أرى من أين يتسلل الســأ م , أنه من ذلك الجسد الممد بعريه الأبدى .. من تلك الأعين المحدقة و التى حتما تقذفنى بالجنون … رائحة البوار , و الأجل المسرع نحو ما لا أعرف , و ما ليس مؤكد لى
…. عفوا لا أستطيع

(كتبت فى عام 1989)


13 comments:

MAKSOFA said...

طبعا
اكتشفت لغه ومعاني جميله في تلك القصه التي أحسست فيها أن هناك خطا يربط بيننا في الكتابه
والحقيقه أنني سأعيد القراءه ثانيه وبتأني بعد عودتي من زياره واجبات أجتماعيه سأقوم بها الأن

Yasmine Adel Fouad said...

سلام عليكم
طبعا انا كنت جاية اتفرج ع الصورة قبل ما أقرأ :)
بس لقيت الصورة تحفه و شدتنى و بعدين الكلام كمان شدنى
كنت هقول رأيى أدبيا عن النص
بس لقيته بتاريخ قديم أوى و الحاجات القديمة ليها قدسيتها و مش حلو أقول رأى أدبى فيها
عجبنى العمق اللى فى الحدث
فكرة أله الليل و مخدوع النوم علقت معايا أوى
بس القضيه الأكبر بالنسبة لى هى صندوق الذكريات
كل واحد عنده صندوقه الفضى الخاص
و معتقدش ان الشيطان هو اللى بيخلينا نفتحه
ربما نفسنا الخبيثه و معتقدش ان ده الشيطان
قد يوسوس الشيطان للمرء
لكنه هو اللى بيتخذ القرار
احيانا فتح الصندوق بيكون محاولة أخيرة لنكأ جرح من أجل التأكد أنه لم يعد ينزف
ربما ثقة بتنفيذ قرارات أولى و دى مجرد عملية مراجعة
ربما محاولة لمعاودة الرؤى القبيحة
بس اللى عايزة أقوله ان مش أى حد يعرف يكتب عن موضوع تتخلله أنشودة الجسد و يتقبل
فى ناس بتكتب تحس انها طالبة معاها إثارة أو كلام و يضرب
بس النص ده مش كده
النص أعمق من مجرد علاقة بين جسد فانى و أله حى

ميرسى ياباسم ع البوست و على كتاب ميلان كونديرا
الفرصة جت أهى و انا مكنتش شكرتك قبل كده كتابة

:)

bassem said...

Maksofa

رأيك يهمنى جدا , لأنى قد أكون دخلت هذه المنطقة فعلا , و لكن عبرت عنها من وجهة نظر رجل . منتظر رأيك بالتفصيل

ــــــــــــــــــــ

أنا حــرة

يا أهلا .. :)

الصورة طبعا إنتى عارفه أنا مستلفها من مين !! بس لقيتها ماشيه اوى مع الموضوع ...ولا إيه رأيك؟ و بالنسبه لتاريخ الكتابة , هو الحقيقة مقصود لسببين : الأول , أردت أن أأكد على حداثة السن وبراءة التجربة (عمرى وقتها 21 سنة)و بالرغم من أن القصة تبدو للوهلة الأولى قصة علاقة جسدية ولكنى كما وصلك أردت أن أعبر عن اللحظة اللتى يفقد فيها الرجل بكارته هو الأخر , ويختلط لديه ما هو حسى بما هو سامى .السبب الثانى , بالطبع أنت محقة فيما يتعلق بالأسلوب الأدبى , أنا نفسى أحكم عليه ببعض السذاجة فى الأسلوب , ولكن ذلك هو حلاوة المحاولات الأولى , و كنت أحب مع ذلك أن أسمع رأيك .

ــــــــــ

عندك حق , أنا أنتصرت على شيطانى حين قررت المواجهة و التمرد و رأيت حقيقة الأشياء و هكذا أنتصر على شيطانى كثيرا

ـــــــــــــ

أشكرك لو كان وصل لك إنى لاأبتغى الأثارة , لأنى فعلا كنت أخاف أن يساء فهمى . ولا أدعى أيضا شدة العمق , لأنى حتى اليوم أحاول أن أرى و أفهم و أسبر أغوار الحقائق

ـــــــــــــــ

لا شكر على تبادل الكتب يا ياسمين , أتمنى أنه ينورلك حاجات كتير زى ما عمل معاية . أشكرك حقيقى لزيارتك

smraa alnil said...

مش عارفة اكتبلك ايه
بس انا كمان
تسلل ليا الياأس
تحياتي للقلم الرائع دة وبجد شكرا

bassem said...

سمراء النيل

سلامتك من اليأس يا سمرا , دا أنا قاصد أقول إن فيه أمل !!! نورتينى بجد

بعدك على بالى said...

"إنى أرى الان أشياءا لم أرها من قبل"

اعتقد ده اكثر ما لفت نظرك لإعادة نشر النص، ليس فقط إستعادة التجربةأو حتى الاحساس، ولكن تأمله بعد كل هذه السنوات.. صحيح اللغة قد يطرأ عليها بعض التغييرات، تكتسب نضجا ، حرفة أكثر، ولكن يبقى الاحساس هو الاصدق وهو ما نجحت فيه وبجداره تحسد عليها ليس يتوقيت هذا الزمن ولكن زمن كتابة النص...

داخل كل منا صندوقه الاسود.. فمن يتشجع ويخرج مابداخلة؟

احييك على الكتابة الصادقة وعلى شجاعة البوح أيضا..

bassem said...

بعدك على بالى

و كم رأيت منذ تاريخ كتابة النص !! نعم , تحليلك سليم جدا ,نحن نسجل تاريخ مشاعرنا على الورق , ثم فى بعض الأوقات , نجلس و نشاهد بعض "كليبات" الذاكرة . أشكرك على وصفك لى بالشجاعة و الصدق , هى مجرد محاوله صغيرة لإدراك تغير الروح. سعيد بمرورك

أسوور said...

البوست دة بيثبت حاجة مهمة قوى

بيثبت انالراجل برضه ممكن يكون فريسة زى المراة بالظبط

مين اللى قال ان كل النساء بريئات وصيد للرجال

مين اللى قال ان المراة لا تستمتع باصطياد رجل تلمع عيناه بالبراءة

البوست دة بيثبت نظرية هامة

تصفيق حاد

أسوور said...

نورت اللقاء يا باسم

bassem said...

يـاسمين

لم أخجل يوما كونى كنت فريسة فى يوم من الأيام , و لم أحاول أيضا أن أتحول إلى صياد , كل ما أبحث عنه هو الشئ الحقيقى الصادق .كل ما تعلمته حقيقة هو الحذر , و القدرة على إخفاء البراءة !! أعتز بتصفيقك

يـاسمين

القاء كان منور بأصحابه , و بكل من أتاحتى لى الفرصة أن أراهم

Anonymous said...

بص بقى الصورة شدتنى اة بس بردة خضتنى ماعلينا
المهم ان كلامك أعمق من أى وصف ولا تعليق ولكنة فعلا بيوصف قد إية انت شخصية صادقة وشفافة ودةقليل جدا من الرجال ما بيتصف بيهم يارب يديمها عليك نعمة

وعلى فكرة أنا معاك فى ان الرجل بيكون بكر بردة وأن الموضوع دة مش مقصود منة الجسد خالص فمش كل علاقة بين حواء وادم تبقى جسد لية الناس بتنسى الروح عموما كويس انها من زمان
زور مدونتى قبل ما أتراجع لأنى اكتشفت أنى مش نافعة فى التدويين منتظراك

Anonymous said...

laialy.blogspot.com
مدونتى

حواء said...

باسم
ممكن اعرف أأكتف اللينك أزاى
زى ما قلت لك أنا لسة صغيرة فى عالم البلوج لو مافيش مانع